مقالة: ٥- - أد الحق الذي عليك
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فتسلية لكل غيور على شِرْعة الله، لكل حريص على المؤمنين وعلى دينهم، عزيز عليه ما يُعنتهم -ما يشق عليهم-، وهو بهم رؤوف رحيم؛ يقال له: أدِّ الحق الذي عليك، فبيِّنْ وأوضحْ، معذرة للحق عز وجل، وطلبا لهداية الخلق، (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، وقال: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ). وحاجَّ بأحسن محاجة، بأسلوب لا سباب فيه ولا تعدي مهما كان المجادل سيئا، (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ)، فمن سمع بعد ذلك؛ فلله الحمد أن هداهم بفضله، ومن أعرض؛ فقد عامله الله بعدله، ونسأل الله أن يرده للصواب، وادَّكِر أن الشرع شرعُ الله، والخلقَ خلقُ الله، فاتركهم له. وأدرك أن كل ما يصنعه المخالفون وإن كان يعد في حقهم معائبَ؛ فهو في حق الطائعين من البلاء والمصائب، يقابلونه بالصبر، كما أشار الله تعالى : (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ)، ولا نقيصة على الطائعين في ذلك ولن يلحقهم ضرر في شريعتهم، قال الله تعالى : (إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، شريطة سعيك في إصلاح نفسك، قال العزيز جل وعز: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ). ثم اعلم أن هذا جار بقضاء االه وقدره وسنته الكونية عدلا منه تعالى مع من أضله الله، لا ظلما ولا جورا، قال الله الحكيم سبحانه وبحمده: (ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين) ، وقال: (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا) -يعني أفلم يقتنعوا- (أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا). فهذا العمل وما يكون في دار المكتسب، وأما في دار الجزاء؛ فالله الموعد وكفى به حسيباً، كما قال الله نفسه في كتابه: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)، فأنتم تُسألون عما عملتم أنتم، وهم يُسألون عما عملوا هم، ولا تُسألون عما كانوا يعملون، فلله الحمد، ثم لله الحمد، ثم لله الحمد. كتبه/فؤاد بن بشر الكريم الجهني ١٤٤٠/١٢/٣ هج. | ||