٢١٨- سائل عن حكم الجلوس مع من ارتكب أمراً يراه الجالس معه محرماً؟
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد فسائل عن حكم الجلوس مع من ارتكب أمراً يراه الجالس معه محرماً؟ والجواب: مجالستك مع من وقع في أمر تراه معصية؛ إما أن يكون الأمر الذي ارتكبه غيرك مما ليس للاجتهاد مجال فيه، وإما أن يكون مما للاجتهاد مجال فيه. فإن كان الأول -مما للاجتهاد مجال فيه-؛ فيجب عليك أيها الجالس مع هذا المخالف أن تنصحه وتبين له، فإن انتصح، وإلا؛ وجب عليك أن تفارقة، لقول الله عز وجل: ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى ٱلْكِتَٰبِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦٓ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِى جَهَنَّمَ جَمِيعًا )، هذه سورة النساء، وقال عز وجل في سورة الأنعام: ( وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِىٓ ءَايَٰتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِۦ ۚ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ). وإما أن يكون مما للاجتهاد مجال فيه؛ فله حالتان: ١ - إن كان مخالفك يَدِيْنُ اللهَ بتحريم ما يفعله من المخالفة؛ فيجب عليك أيها المجالس أن تنصحه عن المحرم -كما في الحال الأولى-، وإن كان يجهل حكم ما يقع فيه من المخالفة؛ وجب عليك تعليمه، فإن انتصح؛ فالحمد لله، وإن لم ينتصح؛ وجب عليك مفارقته حتى يكفَّ عن معصيته، فإن انكف؛ ولو لم يتب فيما بينه وبين ربه؛ جاز لك مجالسته، لظاهر الآيتين السابقتين. ٢ - إن كان مخالفك يَدِيْنُ اللهَ بجواز ما يفعله مما تراه أنت مخالفةً، وذلك بناءاً على عمله بفتوى من يثق بدينه وعلمه؛ فيجوز لك مجالسته، لأن الله عز وجل يقول: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا )، يعني على نيته -كما يقوله البخاري في صحيحه- كل واحد يعمل بمقتضى قناعته، وما يعتقد، لأن الله قسم العقول والأفهام كما قسَّم الأنساب والأجسام، فكما اقنعك بصواب رأيك، وبخطأ رأي غيرك، فهو عز وجل الذي أقنعه بصواب رأيه، وبخطأ رأيك، ومثال ذلك؛ كما لو صلى من يرى نقض الوضوء بأكل لحم الإبل، وراء من لا يرى ذلك؛ فيجوز للمأموم أن يصلي وراء هذا الإمام، مع إنه لو فعل المأموم فعلَ الأمام فأكل لحم الإبل بعد وضوئه؛ لم تصح صلاته، ولكان فاعلاً لمحرمٍ في حقه، معاملةً له بالآية: ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَىٰ سَبِيلًا )، ومثل ذلك من جلس مع مَن يشرب الدَّخان، ومن يُسْبِلُ الثوب، ومن يحلق اللحية، كل من جالس إنساناً وقع فيما يرى أنه مخالفة؛ يخضع لما سبق تفصيله، وهذا الذي تقدم ذكره مشروط بما إذا لم تكن المعصية متعديةَ الأثر إلى المجالس فإن كانت متعدية الأثر؛ فإنه ليس للمجالس أن يقعد مع المخالف، حتى لا يقع هو فيما وقع فيه من يراه مخالفاً، كمن يجلس مع من يشغل الموسيقى، فإن أثرها يطول المجالس بسماعه المعازف، وهذا حرام في حقه، لكونه يدين الله بتحريمه، اللهم إلا إذا تعلقت حاجة المجالس بذلك المكان، ليقضي حاجة ما له، فيجوز له الجلوس بقدر قضاء حاجته، وتحقيق مصلحته، ثم يجب عليه أن ينصرف لقوله عز وجل: ( فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ )، ومن صور ذلك قعود المراجعين بالأماكن التي فيها اختلاط محرم، أو فيها سافرات أو متبرجات، كما في بعض المعاقل الصحية، وبعض الأسواق، فيجوز البقاء بقدر الحاجة وينصرف فور انتهائه، والله أعلم. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني. ١٤٤٥/١١/٢٠هـ . | ||