٢١٩- سؤال عن الحكم بأن القول بإمكان رؤية المؤمن ربه تعالى في المنام قول مبتدع، على خلاف عقيدة أهل السنة؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فهذا سؤال عن الحكم بأن القول بإمكان رؤية المؤمن ربه تعالى في المنام قول مبتدع، على خلاف عقيدة أهل السنة؟ والجواب: إطلاق هذا الكلام غير صحيح. ويضبط المسألة تحرير محالِّها، ومن ذلك: ١- اتفق أهل السنة أجمع على أنه لا يمكن أن يراه بشر في الدنيا في اليقظة بعينيه، ولا يطيقه منهم أحد، وأبرز دليلٍ واقعةُ موسى صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ٢- حُكي الاتفاق على احتمال رؤية المؤمن للرب تبارك وتعالى في المنام، وفي حكاية الاتفاق نظر، ولكن القول بثبوتها له حظ من النظر، ونقل عن الإمام أحمد وغيره، وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، واستطرد في إثباته. انظر على سبيل المثال كتابه بيان تلبيس الجهمية (١/ ٣٢٦،وما بعدها)، وأيضاً منه (٧/ ٣٦٦، وما بعدها)، ففيه تصريحه بذلك، وبعض مَن قال به، وتفسيرُ حقيقة تلك الرؤية، وأنها لا تستلزم مماثلة صورة الله الحقيقية لما رآه الرائي في منامه .... إلى آخر ما ذكر رحمه الله. وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن حقيقة رؤية الله في المنام، فقال: (على وجه لا يشابه المخلوقين، يسمع كلاماً أو يرى نوراً). انظر مسائل الإمام ابن باز لابن مانع ص ٤٦. وسئل الألباني رحمه الله تعالى عن إمكان ذلك، فقال: (ممكن إنسان يرى الله، لا سيما وقد نقل عن الإمام أحمد وغيره....). انظر تراث الألباني موسوعة العقيدة (٧٦٩/٧)، وللألباني كلام في المسألة في جملة مواضع. وشيخنا العثيمين رحمه الله تعالى سئل في مواضع شتى عن ذلك، ففي بعضها يتوقف، وفي بعضها ينقل كلامَ شيخ الإسلام ابن تيمية، ويقره. ٣- ينبغي التحفظ في تصديق كل من ادعى أنه رأى الله تعالى وتقدس في المنام، سيما إذا كان صوفياً، أو متأثراً بها، لأنهم متكثرون من مثل هذه الادعاءات، ولكن في نفس الوقت لا يدفع ذلك بالنفي المطلق، والتشكيك العام في الذمم. ٤- بكل المقاييس لا يثبت تشريع لا استحباباً ولا إيجاباً ولا عكسهما بمجرد الرؤيا؛ ولو كانت من أوثق الناس، وإنما رؤيا الله تعالى أو نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام وفيها أمر أو نهي قد تفتفز المؤمن لفعل طاعة أو خير ثابت بدليل معتبر، أو تكون سبباً لكفه عن محذور شرعي ثبت كونه محذوراً بدليل معتبر، وذلك لأن الرؤى ليس من مصادر التشريع؛ ولو كانت صالحة من تقي مهما كانت ولايته، خلا الأنبياء، فرؤيا الأنبياء من طرق التشريع، قال الله تعالى عن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم فيما نقله الله تعالى عنه: (يا ابتِ افعل ما تؤمر)، فسمى رؤيا أبيه أمراً. وعليه؛ فعبارة: (إن القول بإمكان رؤية المؤمن ربه في المنام قول مخالف لعقيدة أهل السنة) عبارة غير صحيحة لما سبق ذكره، نسأل الله الهداية للجميع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله الموفق. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني. ١٤٤٦/١/١١ هج. | ||