١٩٥- سائل عن الأصح في توجيه حديث محاجة آدم وموسى؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فهذا سائل عن الأصح في توجيه حديث محاجة آدم وموسى؟ والجواب: أولا؛ ليعلم أن الحديث وارد في الصحيحين، وتلقاه أهل السنة بالقبول، وعملوا على توجيهه، فلا وجه لقول من ضعف قصته، وقد حكى ابن عبد البر اتفاق العلماء على تلقيه وقبوله، ونقل ابن كثير كونه متواتراً. ثانياً؛ ليعلم أن ضبط الحديث هو برفع لفظ آدم فاعلاً، ونصب لفظ موسى مفعولاً، ولا وجه لقول ابن ناصر السجزي عفا الله عنه بالعكس، وذلك باتفاق رواة الحديث وشراحه كما نقله النووي والعسقلاني. ثالثاً؛ لعل الأصح في توجيه الحديث الوارد في محاجة آدم وموسى أن لوم موسى لآدم كان على المصاب وهو الإخراج، واحتجاج آدم بالقدر كان على المعاب وهو الأكل من الشجرة، وكان هذا من آدم سائغاً وحجة صحيحة لكونه تاب من ذلك الذنب. دعا إلى هذا الحمل رواية الحديث الواردة في كل، ووجه ذلك كالتالي: أما لوم موسى؛ فواضح: (أخرجتنا من الجنة ….) وهذه العقوبة على المعصية وليست ذات المعصية، ومعلوم بأن العقوبة من فعل الله بآدم وهو أثر معصيته عليه وعلى آله الصلاة والسلام. وأما احتجاج آدم -وهو محل الإشكال الكبير-؛ فهو احتجاج بالقدر على معصيته لا على عقوبته، ولكن بعد توبته، بدليل رواية مسلم في صحيحه: ( فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ ؟ قَالَ مُوسَى : بِأَرْبَعِينَ عَامًا. قَالَ آدَمُ : فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } ؟ قَالَ : نَعَمْ. قَالَ : أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً؟)، ورواية الترمذي: (أَتَلُومُنِي عَلَى عَمَلٍ عَمِلْتُهُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، وصححها الألباني، ورواية أحمد: (أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ كُتِبَ عَلَيَّ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ قَبْلِ أَنْ أُخْلَقَ)، وصحح سندها على شرط الشيخين شعيب الأرنؤوط. فصرح آدم باحتجاجه بالقدر على عملِهِ الذي هو عمِلَه -وهو المعصية التي تاب منها-، لا على عمل الله الذي عمِلَه به -وهو العقوبة التي هي الإخراج من الجنة-. فإذا قال قائل: كيف حج آدمُ موسى صلى الله عليهما وعلى آلهما وسلم مع أن لوم موسى على شيء، واحتجاج آدم على شيء آخر؟! فالجواب: إذا صح احتجاج آدم بالقدر على معصيته التي تاب منها مع كونها من فعله، فاحتجاجه بالقدر على مصابه الذي عوقب به لكونه من فعل الله من باب أولى وأحرى، والله الموفق. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني. ١٤٤٤/٦/١٠ هـ. | ||