١٤- سائل: عن التقليد والعصامية في مبادئ طلب العلم؟
سائل: عن التقليد والعصامية في مبادئ طلب العلم؟ والجواب: النفوس مجبولة على التأسي والتقليد في مبادئ شؤونها وهو سير منطقي تقتضيه الفطرة والجبلة لتضمنه الاعتبار بالغير، فطالب العلم في مبادئ تحصيله كالعامي لا بد له من تقليد من يثق بدينه وعلمه حقبة من الزمن إلى أن يشتد ساعده ويقوى عوده في العلم لينتقل بعد ذلك إلى طور الاتباع فيبني تفقهه في دين الله على أصول شيخه وكيفية استدلاله لكنه في أفراد مسائل قد يخرج عن اختياره إذا تبين له أرجحية قول غير شيخه وأما سوى ذلك فالأصل أن يمشي على ما يرى شيخه ما بين مقلد له فيما يحققه من المسائل ولم يتبين له دليله ولا دليل غيره فيه، وما بين متبع له فيه لتوصله إلى الاختيار الذي توصل إليه شيخه بطريق الاستدلال إلى أن يتبحر الطالب ليبلغ ما بلغ شيخه من أهلية الاجتهاد والنظر فحينئذٍ يستقل بنفسه ويصنع كما كان شيخه يصنع مع طلابه يكون هو إماماً لغيره يؤتم به ويقتدى به. وهذا مسلك ظاهر في طلاب العلم المتتلمذين على المشائخ ولا سيما إن كان الشيخ المتتلْمَذُ عليه له قدم صدق وباع طويل وأمد مديد في التعلم والتعليم فإنه سيختصر لطلابه جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً ويحصل لهم من السلامة مما تعرض له هو من أخطاء الاختيارات وآفات المنهاج في التحصيل بموجب خبرته وسابق تجربته، فتجد الطالب لهذا الشيخ يبدأ من حيث انتهى شيخه إليه، أسرع تحصيلاً من غيره وأثبت حفظاً وعلماً وأقرب للصواب وأبعد عن الخطأ مع ضميمة ما يتصف به من سلامة التعامل وحسن التربية والخلق، وقد نبه الله عز وجل على أهمية الاقتداء وراعى مبدأ التأسي بالغير المحققِّ في دعوة الخلق للحق فنصب لهم رسلاً يتأسون بهم ويقتدون بهديهم حتى نفس الرسل أمرهم بالتأسي والاقتداء فقال عز وجل للناس في أمة النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} وقال لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حق من سبقه من الأنبياء والرسل الذين ذكرهم: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. فلا نقمة ولا عيب على المرء إذا كان في مبادئ شأنه مقلداً ما لم يؤت آلة الاستقلال. بل العيب يتوجه إلى من يسلك مسلك العصامية من مبادئ شأنه بحجة ذم التقليد ولزوم الاتباع والنظر ويحيل في أهلية ذلك على آلة العقل والفهم! وأي عقل وأيُّ فهم يقوى على اختيار قول من الأقوال في مسائل الاجتهاد التي تتجابذها الأدلة والمرء ما يزال في طرف حبل التعلم؟! ٨/ ٤/ ١٤٢٨هـ | ||