• !

الاشتراك فى القائمة البريدية

محسن الجدعاني

مقال ٥٣-حكم تحري فعل العبادات في الروضة النبوية بالمسجد النبوي

بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فبياناً لحكم تحري فعل العبادات في الروضة النبوية بالمسجد النبوي؛ هل هو مشروع أو ممنوع؟

والجواب:
أما ما يشرع تقصده في المسجد النبوي عامة -كالصلاة والذكر والدعاء-؛ فهو في الروضة أفضل، لكونها من صلبه، وهي أشرفه أو من أشرفه، للحديث الوارد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)، نظير ما في الصف الأول من الفضل عند صلاة الفرائض وغيرها جماعةً، وطرداً للقاعدة في مضاعفة الحسنات والسيئات في كل زمان ومكان فاضلين.
والقول بأنه يُشرع ذلك؛ عليه الأكثرون، واختاره الشيخان ابن باز وشيخنا العثيمين-رحمهما الله تعالى-، للحديث الوارد في الصحيحين: " ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة".
وتبقى المفاضلة بين بقية يمين الصف من المسجد النبوي وبين بقية الصف الواقع في الروضة ولو كان من يساره؛ هل الأفضل الصلاة في يمين الصف -ولو كان خارج الروضة-، أو يسارِه لوقوعه فيها؟ وهذا يتصور ما لو صلى الإمام في المحراب النبوي.
أما اليوم بل ومن عهد عمر رضي الله عنه-؛ فكل الروضة على يسار الإمام، وكلها ليست بالصف الأول.
والجواب على السؤال المتقدم: أن الظاهر أن اليمين -ولو خارج الروضة- أفضل، لصراحة الأدلة في فضل يمين الصف على يساره في صلاة الجماعة، والصف المقدم ولو قدام الروضة أفضل مما بعده ولو داخل الروضة، لصراحة الأدلة في فضل الصف المقدَّم في صلاة الجماعة.
وعليه؛ فيشرع تقصد الروضة بالصلاة والذكر والدعاء، بل وبتعليم العلم فيها حيث لا زحام ولا أذى، لكونها من المسجد، ويستثنى ما نزعه للفضل الصفُّ المقدم كصلاة الجماعة والقرب من الخطيب، أو يمين الصف لصلاة الجماعة.
وأما ما سوى ذلك مما لا يشرع تقصده بالمسجد النبوي؛ فلا يشرع تقصده بالروضة ولو مع شرفها توقفاً على الأصل في العبادات.
ويَبِيْنَ ذلك بالرجوع إلى الأثر وإلى النظر:
أما الأثر؛ فبالرجوع إلى آثار الصحابة رضي الله عنهم القولية والفعلية في ذلك هل قال أحدهم بمشروعية ذلك في الروضة أو تحريه فيها، أو فعل ذلك؟
فإن كان: نعم؛ كان مستحباً، وإلا؛ فلا، لأنهم إلى الخير أسبق، وتمسكَهم بالدين أوثق.
وأما النظر؛ فبتنظير المسألة بنظائرها، فجبل أحد -مثلًا- أعظم جبال الأرض أو من أعظمها -وفضله وارد في الصحيحين-.
والنيل والفرات من أنهار الجنة -كما ورد في حديث أبي هريرة في صحيح مسلم-، وهما في أصل سدرة المنتهي -كما ورد في حديث أنس في الصحيحين-.
وزمزم ماء مبارك، طعام طعم -كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر-، وشفاء سقم -كما عند ابن أبي شيبة، وصححه الألباني-، وهي خير ماء على وجه الأرض -كما في أثر علي رضي الله عنه بسند صحيح-.
ونظائر ذلك كثير، فهل ثبوت فضل هذه الأمكنة أو الذوات يقتضي أن نعلق بها عبادات لم ترد؟ كالصلاة على جبل أحد أو ذكر الله عليه، وكالتبرك بالنيل والفرات والاستشفاء بهما ….، وكاستعمال زمزم في غير ما ورد به الخبر؛ هل يشرع مثل ذلك؟
الجواب -والله أعلم-: لا، توقفًا عما لم يرد، وطرداً للقاعدة في هذا الباب، وهو ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه؛ فهو رد"، والله الموفق.

كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني.
١٤٤٣/٢/٦ هج.
 0  0  835