٢١٥- سؤال عن حكم إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية، لكونها أنفعَ للفقراء والمساكين وأرغبَ إلبهم؛ هل يجوز؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فهذا سؤال عن حكم إخراج زكاة الفطر قيمة نقدية، لكونها أنفعَ للفقراء والمساكين وأرغبَ إلبهم؛ هل يجوز؟ الجواب: محل خلاف بين العلماء، منهم من منعه، وهم جمهور العلماء من المالكية والشافعية والمشهور عند الحنبلية. ومنهم من جوزه، وهم الحنفية وبعض الحنبلية، وتخريجاً على رواية عن أحمد، وهو ما يُفهَم من كلامٍ لابن تيمية حيث أطلق الإجزاء في الزكاة بشرط كون القيمة لحاجة أو أصلح، ويقتضيه تعليله لذلك، وصرح بنسبة ذلك إليه برهان الدين ابن ابن القيم المشهور في الاختيارات. ولكن الأصح قول الجمهور، وهو المنع، لوجوه: *الوجه الأول:* أن زكاة الفطر فرضت صاعاً من طعام، أي ولم تفرض من غيره، ولو أخرج ذهباً وفضة، كما لا يجزئ التضحية بالخيل والغزلان، وهي أنفس وأثمن من الشياه، لأن الأضحية شرعت من بهيمة الأنعام، ونظيره يقال في هدي التمتع والقران. وعليه؛ فإخراج زكاة الفطر من غير الطعام مخالفةٌ لنصوص السنة فيها، وأما قول من يقول: إن الأطعمة المنصوص عليها في زكاة الفطر هي الشعير والتمر والزبيب والأقط -المضير-، وأما ما سواها كالرز والدخن ....؛ فيثبت جوازها بالقياس على الشعير والتمر والزبيب والأقط، فيجوز قياس القيمة على الطعام؛ فيناقش بوجهين: أ- أن ذلك ثبت بالنص، لا بالقياس، وهو قول أبي سعيد رضي الله عنه: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام، أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أو صاعا من أقط ، أو صاعا من زبيب) رواه البخاري ومسلم، فالطعام أيا كان ما دام من مطعوم أهل البلد، وعليه عماد غذائهم هو يدخل بالنص في الخبر، وأما الأربعة فبين أبو سعيد سبب إخراجها وقتذاك، فقال: ( كنا نخرج في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفطر صاعا من طعام. وقال أبو سعيد: وكان طعامنا الشعير، والزبيب، والأقط، والتمر) . ب- أن قياس الطعام المقتات -ولو لم يثبت بالنص- على الطعام المنصوص قياس لمثل على مثله، وقياس القيمة على الطعام قياس مع الفارق. *الوجه الثاني:* لماذا لم يرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصحابة لإخراج النقد وهو موجود في العهد النبوي، والحاجة إلبه قائمة مع أن النقد يأتي بكل شيء غالباً؟ والجواب: المعنى في ذلك أنه من قبيل: (لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم)، فالمسألة تعبدية أقرب من كونها تعليلية، ينظر فيها المشرع لعدة مقاصد قد تخفى مآلاتها على المكلفين. *الوجه الثالث :* يلزم من تجويز إخراج زكاة الفطر نقداً تجويز إخراج سائر الإطعامات في ااشريعة نقداً، فيخرج النقد بدل الأضحية، وهديِ التمتع والقران، والعقيقةِ، وسائر الكفارات - في اليمين وفي الوطء في نهار رمضان ممن يلزمه الصيام غير معذور، وفي كفارة قتل المؤمن خطأ، وفي كفارة الظهار... -، وما من طعام إلا ويبدل به النقد، وهذا لا يخفى بعده، وينزعه حديث عائشه رضي الله عنها الوارد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه؛ فهو رد"، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا؛ فهو رد". وممن قال بعدم إجزاء القيمة في زكاة الفطر سماحة الأشياخ ابن باز والألباني وشيخنا العثيمين رحمهم الله، ومن لطيف أدلة شيخنا على المنع أن آصع الأطعمة المنصوص عليها تتباين في القيمة، ومع ذلك الصاع من كلّ منها يجزئ إخراجه طعاماً، ولم يلتفت الشارع إلى القيمة مما يدل على عدم اعتبارها في الإخراج، وإلا لباين بين مقادير المخرَجات أطعمةً، كأن يقول: أخرجوا صاعاً من تمر، أو ما يعادله من شعير، فلما فرضها من أجناس مختلفةِ النوع، مختلفةِ القيمة، مع الاتحاد بالمقدار؛ علم أن القيمة هنا غير معتبرة. انتهى كلامه رحمه الله، والله الموفق. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني. ١٤٤٥/٩/٢٥ هج. | ||