مقالة: ١٣- زكاة الملبوس من الذهب والفضة
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد؛ فأصح قولي أهل العلم في زكاة الملبوس من الذهب والفضة والذي يسمى الحلي القول بالوجوب لحديثين هما أبرز أدلة القائلين بالوجوب؛ ١- عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ، وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا ؛ إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ ؛ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ....) رواه مسلم في صحيحه. ومالك الذهب ولو كان ملبوسا يسمى صاحب ذهب، ولا يخرجه من عموم هذا اللفظ شيء. ٢- عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهَا : " أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟ ". قَالَتْ : لَا. قَالَ : " أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟ ". قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ) الحديث صحيح رواه أبو داوود، ليس بضعيف كما قيل، وهو صريح في وجوب زكاة ملبوس الذهب. والقول بالوجوب هو اختيار أئمة العلماء هذا الزمان -ابن باز وشيخنا العثيمين واﻷلباني رحمهم الله-. وأما حديث: (ليس في الحلي زكاة) فهو الضعيف. وأما ما جاء من اﻵثار عن بعض السلف فما صح عن الصحابة فمعارض بمثله عن آخرين منهم وما جاء عن غيرهم ممن بعدهم فيحتاج لدليل معتبر، ولا يصح الاستدلال بقول عالم على عالم، وإنما الاستدلال لمن يحسنه يكون باﻷدلة الشرعية المعتبرة. وأما التعليل لمنع زكاة هذا النوع من اﻷموال باختلاف العلماء وأن المانع أخذ بأيسر اﻷقوال؛ فليس هذا من نهج المتقين، لحديث النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُه....). ولحديث الحسن بن علي قال: (حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ). فكان اﻷولى للمؤمن أن يقول: إذا اختلفوا فآخذ باﻷحوط لو خفي الدليل، لا باﻷسهل. فكيف ما لو قوي الدليل؟!!! وأما اختيار أيسر اﻷمرين فإنما يكون هذا إذا خير بينهما ولم يكن أحدهما إثما، بل بين مباح ومباح، وإما لو كان بين مباح ومستحب فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يأخذ بالمستحب إذا أمكنه لكن على أنه مستحب، فكيف لو كان اﻷمران مشتبهين؟ قد يكون إثما وقد يكون غيره؟ لا شك أنه سيد المتقين وإمام الورعين عليه وعلى آله الصلاة والسلام ولن يقع في الشبهات. هذا ما تيسرت كتابته في زكاة الحلي خاصة، وموقف المسلم من اختلاف العلماء عامة. وفق الله الجميع لما فيه خير الدنيا والآخرة. والحمد لله رب العالمين. كتبه فؤاد بن بشر الكريم الجهني ١٤٣٨/٦/٢٤ هج. | ||