٦١- تعقب على مقطع لأحد الفضلاء يدعو فيه للتعاهد على أخذ من نجا منهم يوم القيامة بيد من لم ينجُ منهم.
بسم الله الرحمن الرحيم وبعد؛ فقد انتشر مقطع لأحد الفضلاء يدعو فيه المستمعين للتعاهد على أخذ من نجا منهم يوم القيامة بيد من لم ينجُ منهم!فيقال في نقد هذه الدعاية: عفا الله عنا وعنه، الله تبارك وتقدس يقول: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً)، وهذا التعاهد من حقيقة الشفاعة، فهل أحدُ المتعاهدين بعينه في الدنيا اتخذ عهداً عند الله بتملك الشفاعة يوم القيامة حتى يعاهد غيره بالأخذ بيده؟! عفا الله عن أولئك المتعاهدين جميعاً. والله جل وعز يقول: (ولا يشفعون إلا لمن ارتضى)، فكيف يعاهد أحد المتعاهدين غيره على الأخذ بيده والشفاعة فيه؛ وهو قد يكون ممن لا يَرتضي الله شفاعته حتى ولو نجا؟! وقد يكون من عوهد ممن لا يرتضى الله الشفاعة فيه؟! ويقول الله تعالى: (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً)، ليتبين بذلك أن هذا العمل لا يستقيم بوجه، ناهيكم عن كونه مما لم يَدْعُنا إليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أحد أصحابه صنعه، فلِمَ نصنع شيئاً في الدين لم يسبقنا إليه من هو في الدين أكمل، وعند الله أتقى وأجلّ؟! وأما الاستدلال لما سبق من التعاهد على التشافع بخبر الصنابحي رحمه الله أَنَّهُ قَالَ : (دَخَلْتُ عَلَيْهِ -يعني عبادة بن الصامت- وَهُوَ فِي الْمَوْتِ، فَبَكَيْتُ، فَقَالَ : مَهْلًا لِمَ تَبْكِي؟ فَوَاللَّهِ لَئِنِ اسْتُشْهِدْتُ لَأَشْهَدَنَّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفِّعْتُ لَأَشْفَعَنَّ لَكَ، وَلَئِنِ اسْتَطَعْتُ لَأَنْفَعَنَّكَ) (م)؛ فمحل نظر، ويمكن مناقشته بأحد مسلكين؛ ١- مسلك الاعتذار عن عبادة رضي الله عنه، بكونه لم يُصِب فيما قال، والعبرة بالأدلة المعتبرة التي يتفق الطرفان على الاحتجاج بها، وهذا متمش مع القول بعدم حجية مذهب الصحابي. ٢- مسلك التبرير والتوجيه، بكون قول عبادة صواباً وبراً، ويوجه وما يتسق مع نصوص الوحيين الواردة بشأن الشفاعة، وذلك يبين بالفروق بينه وبين ما في التعاهد المسؤول عنه من عدة وجوه: أ- أثر عبادة رضي الله عنه فيه رضا الله بأصل الشفاعة ورضاه لمن شَفع أن يشفع، لقوله: (لئن شُفِّعت)، والتعاهد المذكور ليس فيه ذلك، وإنما فيه التعاهد على مجرد النجاء. ب- أثر عبادة فيه التصريح بربط النفع بالاستطاعة ذلك الوقت، لقوله (ولئن استطعت لأنفعنك)، والتعاهد المذكور ليس فيه ذلك. ج- لا يمنع سياقُ الأثر تقديرَ محذوف فيه، فيقال: (لئن شُفًعتُ فيك لأشفعن لك)، أي سأكون شفيعاً لك لا عليك، ونظيره في الشهادة. ووجه التقدير مراعاة شرط رضا الله عن المشفوع له أن يُشفع فيه. فينتظم مدلول النقول وينسجم، بدلاً من إحداث صورة سبق ذكر نقدها ضمناً أعلاه، أن هذا التعاهد هو من جملة الدين والتشريع لا من العادات والتقاليد، أفنسبق الصحابةَ الكرام إليه مع توفر الداعي له وانتفاء المانع منه؟!! ويخلو مثل هذا المحل إلا من أثر عن صحابي واحد يمكن توجيهه بما سبق؟! هذا بعيد. أخيراً؛ سأل الله أن يعفو عن أخينا المتحدث وأن يشفّع فينا رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والله الموفق. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني. ١٤٤٣/٩/٢٤ هج. | ||