٢٠٨- سؤال عن تنظير تقسيم قيام الليل في العشر الأخير من رمضان في عدم المشروعية بالاحتفال النبوي في ذلك، وأن الثاني وجهة القائلين به أقوى من وجهة القائلين بالأول؟
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد؛ فهذا سؤال عن تنظير تقسيم قيام الليل في العشر الأخير من رمضان في عدم المشروعية بالاحتفال النبوي في ذلك، وأن الثاني وجهة القائلين به أقوى من وجهة القائلين بالأول؟ والجواب: هذا قول لا يصح بشقيه، ويبين ذلك بما يلي: أما أصل التهجد الثاني؛ فهو من جملة قيام الليل الذي ثبتت مشروعيته بالقرآن والسنة المتواترة والإجماع، فإن فعله مشروع وجنسه صلاة. وأما توقيته بساعة كذا؛ فلتنظيم جدولة الناس لارتباطاتهم وأعمالهم حيث استجد لهم منها ما لم يكن من ذي قبل، إذ هي صلاة جماعة، تشبه من وجه تنظيم مواقيت الإقامة على مستوى الفرائض الخمس، وقد ثبتت السنة في تقديم صلاة العشاء وتأخيرها مراعاة لأحوال الناس، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قال: (وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا) يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- (وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ، كَانَ إِذَا رَآهُمْ قَدِ اجْتَمَعُوا؛ عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ قَدْ أَبْطَئُوا؛ أَخَّرَ) رواه مسلم. وأما تقسيمه لقسمين أو أكثر؛ فنظراً لطاقة الناس الذي يشهدون الصلاة أولاً، ويستريحون ثم يستأنفونه مرة أخرى، بديلاً شرعياَّ عن إضاعتهم بقية ليالي العشر بالسهر في لغو إن لم يكن في محرم، فيشتغلون بما جنسه من أخص عبادات تلك العشر خاصةً، وكلِّ رمضان كافة -ألا وهو قيام الليل-. أما من وفق لإعمار بقية ليلته بعبادات ليالي العشر الأخرى مع الصلاة؛ فذلك أفضل. والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا دخل العشر؛ شد مئزره وأحيى ليله.... فإحياء كامل ليالي العشر منصوص عليه بالصلاة أو بها وبغيرها، وقد صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الليل كله إلا قليلاً في ليلة ٢٨ رمضان حتى خشي الصحابة الفلاح -أي أن يفوتهم السحور-، كما جاء في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عند الخمسة، وسنده صحيح، مما يدل على جواز قيام كل الليل بالصلاة في العشر، وبلا كراهة، والأفضل ما كان لقلبه أحضر ولنفسه أنشط من صلاة، وقراءة قرآن، وذكر معين ومطلق. وكون المرء يقوم قيامين فأكثر في ليلة واحدة بوتر واحد أصله ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما صحيح مسلم قال: (فَاسْتَيْقَظَ) -يعني النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم- (فَتَسَوَّكَ، وَتَوَضَّأَ وَهُوَ يَقُولُ: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، فَقَرَأَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سِتَّ رَكَعَاتٍ كُلَّ ذَلِكَ يَسْتَاكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَقْرَأُ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ، ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ)، وورد عن طلق بن علي رضي الله عنه بأنه قام في ليلة مع قوم زارهم، ثم انحدر إلى قومه، فصلى بهؤلاء وهؤلاء، كما يفيده سبب تحديثه بحديث: *"لا وتران في ليلة"* أخرجه أصحاب السنن وسنده صحيح، ولكن لما كان العمل الجاري في العهد النبوي وبعده على كون قيام الليل واحداً؛ كان هو الأفضل لمن يستغل وقته في عمارة ليله بما يشرع جنسه تلك الليالي الشُّرفى بصلاة وغيرها. يتلخص حكم صلاة التهجد -القيام الثاني- ليالي العشر من رمضان فيما يلي: ١- الأصل أفضلية الاقتصار على قيام واحد كل ليلة لجريان عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم على ذلك. وعلى خلاف الأصل ترجيح صلاة القيامين في حق من سيضيع وقته في لغو لا طائل تحته، أو محرم يضره. ٢- جواز مد قيام الليل إلى ما قبل الفجر قياما واحداً، لإدراك السحور، للحديث السابق ذكره أعلاه. ٣- جواز تقسيم قيام الليل في الليلة الواحدة بلا كراهة إلى أكثر من قيام وَفق حاجة الناس وارتباطاتهم على ألا وتران في ليلة. ٤- جواز توقيت بدء صلاة الليل الأولى والأخرى والانتهاء منهما وفق ما ينتظم مع أحوال المصلين القائمين، إذ كل الليل ظرف مشروع لصلاة الليل فيه، وكلما تأخر قيام الليل لآخر الليل؛ كان ذلك أفضل لخبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لما رأى الناس يصلون قيام الليل برمضان في المسجد أول الليل: (وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي يَقُومُونَ)، قال الراوي عنه: (يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ، وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ) أخرجه البخاري، وفي صحيح مسلم عن عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وَسَلَّمَ: *"مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ؛ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ، وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ؛ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ؛ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ، وَذَلِكَ أَفْضَلُ"، وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: "مَحْضُورَةٌ". وأما تنظير تقسيم قيام الليل على نحو ما يصنعه الناس اليوم في عدم المشروعية بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي، وأن حجة القائلين به أقوى من حجة القائلين بصلاة التهجد -القيام الثاني-؛ فتنظير في غير محله، لعدة أوجه: ١- أن أصل الاحتفال بالمولد النبوي غير موجود في التشريع مطلقاً، وليس له أي دليل، وأما محبة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتعظيمه؛ فدليل لأصل القصد من إقامة المولد، وليست دليلاً لمشروعية أو جواز أصل فعل الاحتفال، بخلاف قيام الليل، فأصله مشروع، وتعدده ورد في أكثر من خبر كما مر أعلاه. ٢- أصل الاحتفال بالموالد كلها عموماً متلقى من النصارى، وأصل قيام الليل من كل أنواع أدلة الشريعة. ٣- إقامة الاحتفال بالمولد النبوي تشبه بالكفار في احتفالهم بالمولد العيسيوي، وبالصوفية في بدعتهم هذه، وأما توقيت قيام الليل وتقسيمه بما سبق ذكره؛ فمن منقول الأخبار وفق ما سبق ذكره. ٤- توقيت الاحتفال بالمولد النبوي هو ألصق بتوقيت وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منه بمولده، إذ إن ١٢ رببع الأول هو تاريخ وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالإجماع، ولم يثبت في تاريخ مولده خبر واحد مطلقاً، وفي تحديده نحو من سبعة أقوال، لا يصح لأحدها خبر! ٥- الاحتفال بالمولد النبوي أول من أحدثه الروافض في القرن الرابع، ولا يبعد أن يكونوا يحتفلون بوفاته لا بمولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سبق تأريخه، وأما تقسيم قيام الليل وتوقيته؛ فمر آنفاً ما وجهه. أسأل الله أن يرينا الحق حقاَّ، ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً، ويرزقنا اجتنابه، والله الموفق. كتبه/ فؤاد بن بشر الكريم الجهني ١٤٤٥/٦/١٠ هج. . | ||